الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حقوق الأبناء على الآباء كثيرة والقرآن الكريم والسنة المطهرة مليئان بالحث عليها ومنها:
* تربيتهم ، تربية صالحة ينجو بها من النار ويسعد في الدنيا والآخرة، قال تعالى لرسوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [ طه : 132 ]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} الآية [ التحريم : 6 ] أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة. وتبدأ العناية بالطفل قبل أن يدخل إلى رحم أمه؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضى بينهما ولد لم يضره "
* ومنها: تسميتهم بالأسماء الحسنة، والإحسان إليهم في المعاملة، وتعليمهم، والعدل بينهم في العطية، والإحسان والحنان والعطف والعطية، لحديث النعمان بن بشير المتفق عليه: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" .
* ومنها: وجوب النفقة عليهم إن كانوا فقراء، قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول"؛ رواه احمد وابوداود وصححه الإمام النووي.
* ومنها: تربيته على الفضائل وإبعاده عن الرذائل، ويعلم علوم الدين، ويدرب على الصلاة وعلى العبادات الأخرى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع".رواه أبو داود.
ومع التوجيه والإصلاح؛ قال صلى الله عليه وسلم الله : "كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته ، فالأب راع في بيته ومسئول عن رعيته"؛متفق عليه.
* ومنها: اختيار الأم الصالحة الطيبة ذات الأصل الطيب والخلق القويم، ففي الصحيحين وغيرهما قال صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع وذكر منها: ذات الدين فقال: فاظفر بذات الدين تربت يداك".
والحاصل: أن الله تعالى من عدله بين عباده أوجب على الأبناء حقوقاً تجاه آبائهم وأوجب كذلك في المقابل للأبناء حقوقاً على الآباء فكما أن على الأبناء الإحسان إلى الآباء، وطاعتهما وبرهما، والإنفاق عليهما عند القدرة إذا كانوا فقراء، فكذلك للأبناء على الآباء حقوق.
وليعلم أن تقصير الآباء في حقوق الأبناء لا يبرر عقوق وتقصير الأبناء، فإذا كان كفر الوالدين بالله العظيم لا يُسقط حقهم في البر والإحسان فبالأحرى ألا يسقطه تضييعهما لحق الولد وإنما على الأبناء الاجتهاد في طاعتهما وكسب رضاهما،فالشيطان يعظم دائما بعض الأمور اليسيرة، ليغرس في القلب الكراهية للوالدين ليحرم الأبناء من الأجر العظيم للبر.
بل البر بالوالدين واجب في كل حال ويجب مصاحبتهما بالمعروف، ولو كانا كافرين، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15 ]، وقال تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً} [البقرة: 83] وقال تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} [النساء: 36]، وقال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً* إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} [الإسراء: 23-24]، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي} [لقمان: 14-15].
أما قيام بعض الآباء بتحريض أبنائهم على قطيع الرحم، فلا شك أن هذا فعل شائن ولا يقره الشرع الحنيف والواجب على الابن تجاه ذلك الفعل التعامل بالحكمة وتوجيه النصح والإرشاد للوالدين بهدوء ولطف، وبطريقة تشتمل على الحب والمودة والتراحم، مع تذكيرهم - بغير تشنج ولا تعصب - أنه يجب عليهما تجاه الأبناء عكس ما يفعلانه من الحث على التواصل والاحترام وإعطاء كل ذي حق حقه، وكما يبين لإخوانه مسؤولياتهم الشرعية تجاه بعضهم البعض، وحرمة القطيعة وأن طاعة الوالدين في المعروف فقط.